نظرة تاريخية على عقوبة الإعدام في بريطانيا

كان الشكل الرئيسي لعقوبة الإعدام في بريطانيا منذ بداية الحقبة الأنجلوسكسونية وحتى عام 1965( عندما ألغيت عقوبة الإعدام على القتل) هو الشنق ، وكان هذا يتضمن وضع حبل حول رقبة المدانين وتعليقهم في فرع شجرة فيموتوا بسبب الاختناق ، بعد ذلك تم استخدام السلالم والعربات لشنق الناس في مشنقة خشبية.
وفي أواخر القرن الثالث عشر تحولت عملية الشنق لتشمل ممارسة بعض الطقوس الشديدة بجانب الشنق لتشمل “السحب والتعليق والتقطيع إلى أربعة أجزاء” وكانت هذه أشد عقوبة وكانت مخصصة لأولئك الذين ارتكبوا جريمة الخيانة والسحب يشير إلى جر المدانين إلى مكان الإعدام ، وبعد عملية الشنق كانت جثة المذنب تعاقب بإفراغ الأحشاء وفي بعض الأوقات كانت تفرغ والمذنب على قيد الحياة ، وقطع الرأس والحرق وقطع الأطراف الأربعة وغالبا ما كان يتم عرض رأس وأطراف مرتكب الجريمة علانية أمام الناس .
وفي وقت لاحق تم استخدام تقنية أخرى للإعدام وهي مشنقة “السقطة الجديدة” والتي تم استخدامها لأول مرة في سجن نيوجيت بلندن عام 1783م ، حيث كان يتم شنق اثنين أو ثلاثة في كل مرة ، وكانت هذه المشنقة تقتل عن طريق كسر الرقبة حيت كان يتم وضع العقدة في رقبة المدان ويتم قذفه فيقوم وزن جسمه بدفعه لأسفل وإحكام العقدة مما يؤدي إلى كسر رقبته ، وكانت هذه الطريقة تعتبر اقل إيلامًا من الخنق .
وكان الحرق على العصا هو أيضًا أحد الطرق التي تم استخدامها في إنجلترا منذ القرن الحادي عشر وحتى القرن الثالث عشر للمتهمين بالخيانة ، وخاصة للنساء المتهمات بالخيانة ، كما تم استخدام الحرق كعقوبة على ممارسة السحر في اسكتلندا حتى القرن الثامن عشر .
وبالنسبة لبعض الأشخاص الأكثر حظًا فإن إعدامهم كان يتم عن طريق قطع الرأس وهذه الطريق كانت تعتبر أقل وحشية ، وظلت هذه الطريقة تستخدم حتى القرن الثامن ، وقد تم أيضًا تنفيذ الإعدام رميًا بالرصاص ولكن داخل الجيش فقط .
الرمز الدموي :
كان “الرمز الدموي” البريطاني هو الاسم الذي أُطلق على النظام القانوني المعمول به بين أواخر القرن السابع عشر وأوائل القرن التاسع عشر والذي جعل أكثر من 200 جريمة يعاقب عليها بالإعدام وكانت معظم هذه الجرائم تعتبر صغيرة ولا تستحق الإعدام فعلًا مثل النشل ، وقطع الأشجار وسرقة المتاجر .
ومع ذلك وبالرغم من كثرة جرائم سرقة المال العام في القرن الثامن عشر إلا أن عدد من تم تنفيذ فيهم عقوبة كانوا أقل بكثير ممن تم إعدامهم في القرنين السابقين ، ويرجع السبب في ذلك إلى أن القوانين لم تكن محددة وخاصة المرتبطة بالسرقة ، فعلى سبيل المثال كان القانون يعاقب بالإعدام من سرق بضائع بقيمة معينة ، فكانت هيئة المحلفين تتحايل من خلال تقليل قيمة السلع المسروقة فلا يتم إعدام السارق .
وكانت بعض المناطق التي تتمتع بحكم ذاتي أكبر مثل اسكتلندا وويلز وكورنوال مترددة جدًا في تطبيق القانون الدموي ، وبحلول الثلاثينيات من القرن العشرين أصبحت عمليات الإعدام على جرائم أخرى غير القتل نادرة للغاية.
ولكن في أوائل القرن التاسع عشر ظهرت معارضة لقانون الرمز الدموي ومن بين المنتقدين لهذا القانون كان السير صامويل روميلي وقد كان محامي عام ، ثم أصبح عضو في مجلس العموم منذ عام 1806م ، وقد نجح في إلغاء عقوبة الإعدام لبعض الجرائم البسيطة ، كما نجح في إلغاء عقوبة تفريغ الأحشاء ، وفي وقت لاحق نجح النائب الليبرالي وليام إيوارت في إنهاء عقوبة الإعدام على سرقة الماشية وعدة جرائم أخرى .
وفي أربعينيات القرن التاسع عشر انتقد مجموعة من الكتاب منهم تشارليز ديكنز عقوبة الشنق العلني أما الجماهير ، حيث أن ديكنز كان قد شهد تنفيذ ال‘دام في زوجين أدينا بجريمة قتل في جنوب لندن في عام 1849م ، وقد كتب ديكنز عن ذلك في صحيفة التايمز وعبر عن كرهه “لطيش الحشود الهائلة وأنه شاهد اللصوص والبغايا والأشرار والمتشردون من كل نوع قد توافدوا لمشاهدة الإعدام ” .
كما كانت هناك حملات مستمرة للمطالبة بإلغاء عقوبة الإعدام ، وفي عام 1861م تم إلغاء الإعدام بالنسبة لجميع الجرائم باستثناء جريمة القتل والخيانة العظمى والقرصنة وإشعال الحرائق في ترسانات الموانئ الملكية ، وعلى الرغم من أن رفض عقوبة الإعدام بين العمة لم يكن منتشر إلا أنه كانت هناك بعض الحالات التي أثارت عطف ومشاعر الناس منها حالة فلورانس مايبريك ، التي اتهمت بقتل زوجها بالسم ولكن أعفي من المشنقة عام 1889 بسبب شكوك حول قوة الأدلة ضدها ، وفي الوقت نفسه ، في عام 1899 أطلقت حملة صحفية للدفاع عن ماري آن أنسيل ، التي اتهمت بقتل أختها ، والتي ثارت شكوك حول سلامة قواها العقلية ومع ذلك تم شنق أنسل في تلك السنة .
عقوبة الإعدام في القرن العشرين :
ومنذ النصف الأول من القرن العشرين قيدت التشريعات تنفيذ حكم الإعدام إلا في حالات قليلة ، وقد فصل قانون عام 1922م جريمة قتل الأم لطفلها الرضيع عن جرائم القتل الأخرى وكانت عقوبتها أخف ، كما نص القانون على عدم إعدام النساء الحوامل أو الأشخاص الذين لم يبلغوا 18 عام بالرغم من أنه في السابق كانت هذه الحالات تستثنى من الإعدام أيضًا ، حيث لم تشهد بريطانيا إعدام طفل تحت سن 18 عام منذ عام 1887م .
وقد شهدت فترة العشرينيات حملات واسعة لمناهضة عقوبة الإعدام لأنها غير حضارية وضارة بالمجتمع وتطبق بشكل واسع على الفقراء ، وقد أجريت أول مناقشة برلمانية كاملة حول عقوبة الإعدام في القرن العشرين في عام 1929 ،وأسفرت عن إنشاء لجنة لبحث هذه القضية ، وأبلغت اللجنة النتائج التي توصلت إليها في عام 1930 وأيدت تعليق عقوبة الإعدام لمدة خمس سنوات كفترة تجريبية ؛ ومع ذلك ، تم تجاهل التقرير إلى حد كبير ، حيث أن تلك القضية لم تكن ذات أهمية بالمقارنة بالقضايا السياسية والاجتماعية الأخرى .
عقوبة الإعدام بعد الحرب :
بعد انتهاء الحرب وفي عام 1945م ، أصبحت قضية الإعدام من القضايا البارزة ، وقد زاد الاهتمام بها أكثر بعد ظهور بعض القضايا المثيرة للجدل مثل قضية جون كريستي الذي قام بقتل العديد من النساء منهم زوجة جاره تيموثي إيفانز وابنته ، وتم اتهام إيفانز البالغ من العمر 25 بقتل زوجته وابنته وأعدم بالفعل في عام 1950م ، ولكن بعد مرور ثلاثة سنوات تم اكتشاف جثث أخرى واتضح أن جون كريستي هو القاتل وأن إيفانز بريئًا .
كما كانت روث إليس هي أخر سيدة يتم إعدامها في بريطانيا ، بعد أن قتلت صديقها بالرصاص واتضح بعد ذلك أنه كان يعتدي عليها ويسئ إليها ، وقد جذبت القضية الكثير من الاهتمام الإعلامي كما لاقت إليس الكثير من التعاطف وقد كانت هذه القضية سبب كبير في إلغاء عقوبة الإعدام .
في 13 أغسطس 1964 ، أصبح بيتر ألين وجوين إيفانز آخر الأشخاص الذين تم شنقهم في بريطانيا لأنهم قاموا بقتل سائق سيارة أجرة بهدف سرقته ، وفي عام 1965م صدر قانون بوقف عقوبة الإعدام بسبب القتل لمدة خمس سنوات ، ثم تم إلغاؤها نهائيًا عام 1969م ، كما تم إلغاء الإعدام بتهمة الخيانة والقرصنة في عام 1998م ليصبح القانون البريطاني خالي تماما من عقوبة الإعدام .