لماذا المباني التاريخية البريطانية مطمسة النوافذ ؟!

منذ ميلاد قانون فرض الضرائب لعام 1696 في بريطانيا والذي بموجبه فرضت ضرائب كثيرة ومنها أنه يتم فرض ضرائب إضافية على الشعب ، وتتمثل في جمع الضريبة طبقا لعدد النوافذ الموجودة بالمنزل الواحد ، وكلما زاد عدد النوافذ كلما زاد حجم الضريبة .
وجهة نظر رجال القانون في فرض تلك الضريبة :
كانت وجهة نظر رجال القانون في ذلك الوقت أن تلك الفكرة صائبة لتبرير فرض الضريبة على الطبقات العليا في المجتمع نظرا لرغد العيش الذي يعيش فيه أغنياء القوم ، وسيهرب الفقراء في بريطانيا من دفع تلك الضريبة بمبالغها العالية نظرا لأنهم يملكون نوافذ أقل .
محدودي الدخل وهذه الضريبة :
كما أن الدولة وقفت في صف الفقراء بأن منعت الضريبة لمن لديه 10 نوافذ فأقل لكن لم ينجح الأمر كثيرا ، إذ أن هناك العديد من محدودي الدخل في بعض البلاد من كان يعيش في بيوت كبيرة وبها عدد نوافذ أكبر فاضطروا لدفع الضريبة .
أمر مخزي آخر هو أن أصحاب المنازل كانو يشاركون سكانها في دفع تلك الضريبة بحجة أنهم مستفيدين من تلك النوافذ لذا عليهم الدفع ، فكانو يدفعون ثمن الإيجار والضريبة معها ، الأمر الذي اضطر بعضهم إلى البحث عن أماكن ذات نوافذ أقل عددا وبالتالي أقل إنارة وتهوية .
جامعي الضرائب اعتبروا كل فتحة نافذة :
قد فشل هذا التشريع بتحديد ماهية النافذة بدقة مما سمح لهواة جمع الضرائب بفرض ضريبة على أي شيء يشبه ولو بشكل تقريبي النافذة ، من بين ذلك نوافذ المخازن الصغيرة المثقبة وغيرها ، مما أدى لاستياء الكثير من فئات المجتمع ، وزاد غضب الكثير من السكان لاختلاط الأمر وزادت كمية الضرائب التي يتوجب على السكان دفعها.
تشارلز ديكنز أول من عبر عن استيائه :
كان الروائي الإنكليزي المعروف (تشارلز ديكنز) هو من بدأ بالتعبير عن استيائه من هذه الضريبة ، ففي عام 1850 كتب عنها في مجلة Household قائلا : ” أصبحت مقولة ’مجاناً كالهواء‘ مقولةً غير قابلة للتطبيق في بلدنا بموجب تصرفات البرلمان ، فلا الهواء ولا الضوء أصبحا مجانيين بعد فرض ضريبة النوافذ ، فقد أصبحنا ملزمين بدفع ثمن أمور تقدمها الطبيعة لنا بسخاء ومجاناً للجميع ، وهذا عبء كبير على الفقراء الذين لا يستطيعون تحمل كل هذه النفقات وخصوصاً نفقات أكثر أساسيات الحياة ضرورةً : الهواء والضوء“.
ضريبة النوافذ ليست هي الضريبة الغريبة الوحيدة :
كانت ضريبة النوافذ مجرد واحدة من عشرات الضرائب السخيفة التي فرضتها الحكومة البريطانية وتفننت في انتقائها بغرض جمع أموال الشعب ، فعلى سبيل المثال كانت هناك ضريبة أخرى هي ضريبة الطوب ، حيث كانت الضريبة تحتسب بناء على عدد أحجار الطوب التي بُني بها المبنى وضريبة عدد المداخن أيضا .
ضريبة عدد طوب البناء :
وُجدت هذه الضريبة خلال عهد الملك (جورج الثالث) في عام 1784 للمساعدة على دفع رسوم تكاليف الحرب التي كانت تخوضها بريطانيا في المستعمرات الأميركية ، وقد تمكن الناس من التغلب على هذه الضريبة من خلال زيادة أحجام أحجار الطوب المستخدمة في البناء ، فبدل أن يكون البناء مكونا من 1000 حجر طوب صغير أصبح مكونا الآن من 500 حجر كبير على سبيل المثال ، ولا تزال هذه المنازل المبنية بالطوب الكبير موجودة حتى الآن .
ضريبة المداخن :
ضريبة أخرى هي الضريبة التي فُرضت على المداخن (الشومينيهات) ، فكلما كان المنزل يحتوي على مداخن أكثر كلما زادت الضريبة ، مما دفع الناس أيضاً لتقليل عدد المواقد والمدافئ وأيضاً الانتقال للعيش في بيوت صغيرة لا تحتوي أحياناً على أي مدفأة ، ورغم كل هذا الأمر كانت ضريبة النوافذ هي أكثر ضريبة استمرت لمدة طويلة وكانت أكثرا إثارة للاستياء الشعبي.
بقيت آثار ضريبة النوافذ حتى الآن :
يمكنك اليوم رؤية ما خلفته هذه الضرائب من خلال التجول في مختلف أنحاء المدن الإنجليزية حيث ستجد بيوتاً وأبنية قديمة فيها العديد من النوافذ المغلقة بالطوب (كانت مفتوحة ولكنها أُغلقت بعدما تم فرض هذه الضريبة في محاولة لتخفيف حجمها).
”سرقة في وضح النهار“
اقتبس مصطلح ”سرقة في وضح النهار“ من هذه الضريبة لأنها كانت تدفع الناس لإغلاق نوافذهم وهي تكون بذلك في جوهرها تسرق ضوء النهار منهم بطرق غير شرعية ، لكن هذا المصطلح لم يستخدم بشكل صريح ويطبع في الصحف قبل عام 1916 ، كما لم يتم ربطه بتلك الضريبة الجائرة.