الثقافة

ما سر الشهرة الكبيرة للوحة الموناليزا ؟!

بعد مرور خمسة قرون على قيام ليوناردو دافنشي برسم لوحة الموناليزا تم تعليق اللوحة خلف إطار زجاجي مضاد للرصاص في متحف اللوفر ، وقد جذبت اللوحة آلاف المتفرجين والمعجبين ،حتى أصبحت أشهر لوحة في العالم ،  ومع ذلك إذا تسنى لك رؤية اللوحة عن قرب فقد تتساءل عن سبب كل تلك الشهرة فهي مجرد صورة لامرأة عادية ترتدي ملابس متواضعة تتكون من رداء داكن اللون وتضع غطاء شفاف للرأس ولا ترتدي أي مجوهرات .

ولقد تحدث الكثيرين عن ابتسامتها ونظرتها ولكن مازال الجمهور يتساءل عن سبب كل هذه الشهرة ، هذا بجانب غموض شخصية صاحبة اللوحة أيضًا فلا أحد يعرف من هي بالتحديد ، وقد قيل العديد من النظريات حول سبب شهرة اللوحة ولكن لا يوجد تفسير دقيق حتى الآن .

وبالطبع فإن لوحة الموناليزا مرسومة بطريقة جيدة للغاية ، فقد جذبت اللوحة الانتباه منذ وقت رسمها ، وفي وقت لاحق أشاد الكاتب جورجيو فرساي بقدرة ليوناردو على تقليد الحقيقة بدقة ، فالموناليزا تعتبر بورتريه واقعي جدا ، كما أن وجه العارضة المنحوت بدقة يظهر مدى براعة في مزج الألوان أو ما يطلق عليه السفوماتو  ، وهو الأسلوب الفني الذي يستخدم تدريج الألوان والظلال بدقة والذي يظهر بوضوح شكل الجمجمة تحت الجلد .

كما يظهر الحجاب الشفاف المرسوم بدقة وطريقة إظهار طيات القماش مدى قوة ملاحظة ليوناردو وصبره الذي لا ينضب ، وعلى الرغم من أن الجمهور لم يلاحظ الابتسامة والنظرة الثاقبة للفتاة إلا في القرن التاسع عشر إلا أن المشاهدين اليوم يمكنهم ملاحظة هذا التعبير وتقديره ، فقد رسم ليوناردو شخصية معقدة تشبه إلى حد كبير إنسان معقد.

وبالرغم من ذلك يتفق كثير من العلماء أن جودة رسم الموناليزا ليست كافية في حد ذاتها لمنحها كل تلك الشهرة لأنه بالفعل هناك العديد من اللوحات المرسومة بنفس دقة الموناليزا ، وربما يكون عرض الموناليزا في متحف اللوفر أحد أسباب شهرتها الواسعة حيث أن اللوفر هو أكثر المتاحف زيارة في العالم .

وقد وصلت اللوحة إلى المتحف عن طريق طويل بدأ من الملك فرانسيس الأول ملك فرنسا والذي قضى ليوناردو في بلاطه سنواته الأخيرة ، وقد أصبحت اللوحة جزء من المجموعة الملكية وظلت لقرون عديدة موجودة داخل القصور الفرنسية .

ولكن حينما أتت الثورة الفرنسية استولت على كل محتويات القصور لأنها ملك الشعب ، ثم انتقلت اللوحة إلى غرفة نوم نابليون بونابرت وبعد ذلك انتقلت لمتحف اللوفر في مطلع القرن التاسع عشر ، ومع ازدياد شهرة متحف اللوفر زادت شهرة الموناليزا .

وسرعان ما أصبحت شخصية صاحبة الصورة محط اهتمام من الكثيرين ، ويعتقد العديد من العلماء أن اللوحة تصور ليزا غيرارديني ، زوجة تاجر فلورنسا فرانشيسكو ديل جيوكوندو ، ولكن حتى الآن لا يوجد دليل على أن فرانشيسكو كلف ليوناردو برسم هذه اللوحة  ، وخلال العصر الرومانسي في القرن التاسع عشر تحولت ربة البيت الفلورنسية البسيطة التي ربما تم تصويرها في اللوحة إلى فتنة غامضة ، وقد وصفتها الكاتبة الفرنسية ثيوفيل غوتييه بأنها “كائن غريب، ونظرتها تعد بملذات غريبة ” .

وفي القرن التاسع أيضًا تم النظر إلى ليوناردو كعبقري ، وبالرغم من أنه على مر قرون بعد وفاتهكان ينظر إليه كرسام جيد ولكن لم يحظى بنفس التقدير الذي حظي به معاصريه رافائيل ومايكل أنجلو ، ولكن مع زيادة اهتمام الناس بدراسة عصر النهضة في القرن التاسع عشر أصبح ليوناردو أكثر شعبية ليس فقط باعتباره رسامًا جيدًا ولكن أيضًا كعالم عظيم ومخترع ، ومع ازدياد شهرة ليوناردو كانت الموناليزا تزداد شهرة .

كما أن سرقة اللوحة في عام 1911م  وما أعقبه من جنون إعلامي جعلها تحظى باهتمام عالمي ، ومع انتشار خبر السرقة توافد الناس لرؤية مكان اللوحة الفارغ بالمتحف ، كما تم اعتقال مدير اللوحات بالمتحف وأصبحت اللوحة حديث الصحف ، كما تم أيضًا اعتقال بابلو بيكاسو كمشتبه به !

وبعد عامين تم العثور على اللوحة في إيطاليا بعد أن قام أحد وكلاء الأعمال الفنية في فلورنسا بإبلاغ السلطات المحلية أن رجلاً قد اتصل به بشأن بيعها، وكان السارق هو مهاجر إيطالي إلى فرنسا يدعى فينتشينزو بيروجيا وقد عمل في متحف اللوفر لفترة وجيزة وكان مسئول عن تركيب زجاج اللوحات ، وقد سرق اللوحة بمساعدة عاملين آخرين واختبئوا في خزانة داخل المتحف طوال الليل وخرجوا بها في الصباح ، ولكن السارقين فشلوا في بيعها بسبب انتشار خبر السرقة ، وفي النهاية عادت اللوحة إلى فرنسا واستقبلها الفرنسي باعتبارها كنز وطني فقدوه ثم استعادوه .

بالطبع أصبحت الموناليزا أكثر شهرة بعد السرقة ولكن الحرب العالمية سرقت منها الاهتمام ، حتى قام العديد من الفنانين بالتلاعب بالصورة ورسمها في صور هزلية مختلفة مثل الفنان مارسيل دو شامب الذي رسم اللوحة في صور ساخرة كثيرة مثل رسم لحية وشارب على وجه السيدة ، وقد حزا الكثير من الفنانين حذوه وانتشرت هذه الرسوم الهزلية بشكل كبير مما جعل وجه الموناليزا أحد أكثر الوجوه شهرة في العالم .

كما ذهبت الموناليزا في رحلة إلى الولايات المتحدة عام 1963 ، حيث سافرت على متن سفينة داخل مقصورة من الدرجة الأولى وتم عرضها في متحف  متروبوليتان في مدينة نيويورك والمعرض الوطني للفنون في واشنطن العاصمة ، وخلال مدة إقامتها التي استمرت لمدة ستة أسابيع كانت اللوحة تجذب كل يوم 40 ألف زائر ، كما سافرت اللوحة لليابان أيضًا في عام 1974م واستقبلتها حشود هائلة ، كما أصبح الكثير من الناس يسافرون خصيصُا إلى باريس لمشاهدة اللوحة  وجهًا لوجه .

بالتأكيد لوحة الموناليز رسمه جيدة رسمها فنان بارع ولكنها مثل الكثير من اللوحات الشهيرة الأخرى ولا يوجد سبب واحد لجعلها اللوحة الأكثر شهرة في العالم باستثناء الظروف التي أحاطت بهامنذ عرضها في متحف اللوفر .

الوسوم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى