حريق شيكاغو العظيم

حريق شيكاغو العظيم هو أحد أكثر الكوارث تدميرًا خلال القرن التاسع عشر ، حيث دمر أحد أكبر المدن الأمريكية فسرعان ما انتشر الحريق ليلة الأحد في حظيرة ، فاشتعلت النيران في المدينة ولمدة 30 ساعة متواصلة قامت بالتهام عدد من أحياء المهاجرين بالمدينة بالإضافة إلى حي الأعمال بالمدينة .
بدأت النيران في مساء الثامن من أكتوبر 1871 واستمرت حتى الساعات الأولى من يوم الثلاثاء 10 أكتوبر 1871 ، وكانت المدينة خلال تلك الفترة بدون أي حماية ضد الحريق الهائل ، فتحولت آلاف المنازل إلى رماد بجانب عدد كبير من المتاجر والفنادق والصحف والمكاتب الحكومية ، كما قتل ما يزيد عن 300 شخص .
وقد كان سبب الحريق متنازع عليه ، فهناك شائعة محلية تفيد بأن بقرة السيدة أوليري هي من بدأت الحريق بعد أن ركلت فانوس ، وعلى الأرجح فإن هذا السبب غير صحيح ولكن هذه الأسطورة ظلت عالقة في العقل العام حتى اليوم .
صيف طويل حار:
كان صيف عام 1871م حارًا جدًا ، وعانت شيكاغو خلال ذلك الصيف من الجفاف الشديد ، فخلال الفترة من أوائل شهر يوليو وحتى تاريخ اندلاع الحريق في أكتوبر لم يسقط على المدينة سوى ثلاثة بوصات من المطر .
وكانت جميع منازل المدينة تقريبًا مبنية من الأخشاب حيث كان الخشب رخيصًا ووفيرًا في الغرب الأمريكي في منتصف القرن التاسع عشر، ولكن ذلك جعل المدينة عرضة للخطر وخاصة أن معظم الناس في المدينة كانوا يتجاهلون قوانين البناء وإجراءات السلامة من النيران .
كما كانت أجزاء كبيرة من المدينة تضم المهاجرين الفقراء الذين يعيشون في أكواخ خشبية ، وحتى المواطنين الأكثر غنى كانت بيوتهم مصنوعة من الخشب .
وقد أدى ذلك إلى إثارة المخاوف حول المدينة الخشبية الجافة ، ففي أوائل سبتمبر – أي قبل اندلاع الحرق بشهر- انتقدت جريدة شيكاغو تريبيون وضع المدينة وقالت أنها مصنوعة من أسلحة نارية .
وكانت أحد أسباب المشكلة أن شيكاغو قد نمت بسرعة ولم تعرف تاريخًا من الحرائق على عكس نيويورك على سبيل المثال ، التي عانت من نيران كبيرة في عام 1835 ، ولذلك فرضت قوانين صارمة خاصة بالبناء والتأمين ضد النيران وعمل مخارج حرائق في البنايات
بداية النيران في حظيرة أوليري :
اندلع حريق آخر في الليلة التي سبقت الحريق العظيم ، وقد اشتركت كل قوات مكافحة الحرائق في المدينة في إطفاؤه ، وقد بدا لهم أنهم أنقذوا شيكاغو من كارثة كبرى .
ثم في ليلة الأحد 8 أكتوبر 1871 شوهد حريق في حظيرة مملوكة لعائلة من المهاجرين الأيرلنديين تدعى عائلة أوليري ، وتم إطلاق صفارات الإنذار واستجابت واحدة من شركات مكافحة حرائق التي كانت مشاركة في إطفاء حريق الليلة السابقة .
ولكن كان هناك ارتباك بشأن إرسال شركات أخرى للمشاركة في الإطفاء ، وربما كان الوضع قد تم احتوائه لو شاركت أكثر من شركة في الإطفاء أو لم تكن الشركة التي وصلت لحظيرة أوليري منهكة تمامًا .
وفي غضون نصف ساعة من الإبلاغ عن الحريق كانت النيران قد انتشرت في الحظائر المجاورة والمراحيض ثم كنيسة وقد التهمتها النيران بالكامل وبدأ الحريق في مسيرته نحو قلب شيكاغو ، ولم يعد هناك أمل في السيطرة على هذا الجحيم .
انتشرت شائعة بأن بقرة السيدة أوليري قد ركلت مصباح كيروسين مما تسبب في إشعال النيران بالتبن الموجود في الحظيرة ، ولكن بعد عدة سنوات اعترف أحد الصحفيين أنه قام بتأليف تلك القصة .
انتشار النيران:
كانت الظروف مثالية لانتشار الحريق وبعد أن تجاوزت الحظيرة تسارعت إلى مصانع الأثاث ومخازن الحبوب في المدينة ثم طالت النيران كل شيء في طريقها ، وقد حاولت شركات الإطفاء بذل قصارى جهدها ، ولكن بعد أن احترقت محطات المياه في المدينة انتهت المعركة ، وأصبح الحل الوحيد للتعامل مع النيران هو الهروب مثلما فعل عشرات الآلاف من مواطني شيكاغو ، وتشير التقديرات إلى أن حوالي ربع سكان المدينة البالغ عددهم 330 ألف نسمة قد فروا إلى الشوارع وهم في حالة ذعر حاملين معهم كل ما استطاعوا من أغراض .
ارتفع جدار النار إلى 100 قدم ، وروى الناجين أمور مروعة عن الرياح العاتية التي كانت تقذف بالجمر المحترق نحوهم بحيث بدا الوضع وكأن السماء تمطر نارًا ، وفي صباح يوم الاثنين كانت أجزاء كبيرة من شيكاغو قد سويت بالأرض وتحولت المباني الخشبية إلى أكوام رماد ، وكانت المباني المبنية من الطوب متفحمة .
استمرت النيران مشتعلة طوال يوم الاثنين ، وتوقفت في النهاية عند هطول الأمطار مساء يوم الاثنين وأخيرًا تم إخمادها في الساعات الأولى من يوم الثلاثاء .
آثار الحريق:
كان من المستحيل تقريبًا تقدير حجم الخسائر التي لحقت بالمدينة فقد دمرت النيران مركز المدينة على طول أربعة أميال وعرض أكثر من ميل ، بكل ما فيه من منازل ومراكز حكومية وأعمال تجارية وصحف ، وقيل أن هناك وثائق لا تقدر بثمن منها خطابات للينكولن قد احترقت .
تم انتشال حوالي 120 جثة بعد انتهاء الحريق ، ولكن التقديرات تشير إلى مقتل أكثر من 300 شخص ، ويعتقد أن العديد من الجثث قد ذابت تمامًا وتحولت إلى رماد بسبب الحرارة الشديدة ، وتم تدمير أكثر من 17 ألف مبنى وأصبح حوالي 100 ألف شخص بلا مأوى ، وقدرت الخسائر المادية بحوالي 190 مليون دولار .
وسرعان ما انتقلت أخبار الحريق عن طريق التلغراف ، وفي غضون أيام نزل المصورون والفنانون إلى المدينة لتصوير الدمار الهائل .
إعادة بناء شيكاغو:
تولى الجيش الأمريكي السيطرة على المدينة ، ووضعها في ظل الأحكام العرفية ، وأرسلت المدن في الشرق مساعدات ، وحتى الرئيس يوليسيس س. غرانت أرسل 1000 دولار من أمواله الشخصية إلى جهود الإغاثة .
وفي حين أن الحريق كان كارثة كبرى ، ولكن تم إعادة بناء المدينة بسرعة كبيرة ولكن بنظام أفضل وقواعد أكثر صرامة للتعامل مع النيران ، كما أثر هذا الدرس المرير في المدن الأخرى حيث أصبحوا أكثر مراعاة لأمور السلامة .
ولكن حتى الآن مازالت بقرة السيدة أوليري هي المتهم ، وليست المباني الخشبية الجافة والصيف الحار الطويل .