عام

لماذا يهتم العلماء بحالة فيناس جيج

من بين كل البشر الذين عاشوا على الأرض لا يذكر التاريخ إلا القليل من أصحاب الإنجازات أو الأعمال العظيمة أو حتى المروعة ، أما الأشخاص العاديين فقليلًا ما يذكرهم التاريخ ، ومن بين هؤلاء الأناس العاديين الذي ظل التاريخ يذكرهم فيناس جيج .

فيناس جيج لم يكن من أصحاب الاختراعات ولكنه كان مجرد عامل عادي بخطوط السكك الحديدية ، ولكنه مازال محط اهتمام العلماء ، حتى أنهم احتفظوا بجمجمته ، كما أن حالته مازالت تُدرس في كليات الطب حتى الآن .

” هنا الكثير من العمل لك ” هذه هي الكلمات التي تحدث بها جيج للطبيب أثناء سيره لتلقي العلاج ، ولا يمكننا أن نتصور ما كان يدور في عقل الطبيب جون مارتن هارلو عندما رأى جيج في تلك اللحظة ، كان جيج يبلغ من العمر 25 عامًا حين تعرض لحادث مروع أثناء عمله في مد إحدى خطوط السكك الحديدية عام 1848م ، حيث أدى انفجار بعض المواد المتفجرة إلى اندفاع قضيب حديدي يبلغ طوله 4 أقدام ويزن 13 رطل نحو وجه جيج ، ثم اخترق الخد الأيسر لجيج من أسفل الفك واندفع مباشرة ليخترق جمجمته .

ويقول زملاؤه أنه لم يفقد الوعي ، حتى أنه استقل عربة بعدها وجلس في كرسي بجوار النافذة ، وأخذ يتبادل الحديث مع المارة ، حتى وصل إلى عيادة الطبيب وجلس ينتظره لفترة .

حالة عظيمة للباحثين :
تعتبر حالة جيج من أولى الحالات التي تم توثيقها في علم الأعصاب وإصابات الدماغ ، وحين قام الدكتور هارلو بنشرها في مجلة بوسطن الطبية ، لم يصدقه أحد ، ولم ينتبه أحد لهذه الحالة حتى قام الطبيب هنري.ج. بيجيلو بكتابة تقرير عن حالة جيج ، وكيف أنه واصل عمله بعد الحادث بشكل طبيعي ، وقد تلا ذلك نشر تقرير أخر عن الحالة عام 1868م ، ولكنه هذه المرة ركز على الحالة العقلية لجيج ، حيث أن أغلب من عرف جيج قبل الحادث قد أكد على أنه سلوكه قد اختلف بعد الحادث .

وقد كان شائعًا في تلك الفترة أن شخصية الإنسان تتحدد من خلال نتوءات موجودة على جمجمته ، بينما كان علم الأعصاب جديدًا على المجتمع الطبي ، لذلك وجد علماء الأعصاب هذا الحادث فرصة فريدة للنظر داخل مخ الإنسان واكتشاف أسراره .

وقد كان حادث جيج مفيدًا بشكل غريب حيث أن الدكتور هارفي تمكن من النظر داخل دماغ جيج ، وقد وجد أن قشرة الفص الأمامي من دماغ جيج قد تضررت من الحادث ، ولكن بالرغم من ذلك فإن ذاكرته ظلت سليمة ، ولكن شخصيته قد أختلفت ، مما دعا العلماء يعتقدون أن الفص الأمامي الجبهي هو المسئول عن شخصيتنا ، وقد كانوا محقين تمامًا .

وبعد عقد من الزمان قام العالم ديفيد فيرير بدراسة النتائج التي توصل إليها دكتور هارلي وتوسع فيها ، وقد توفي جيج عام 1860م بعد اثنا عشر عامًا من الحادث ، نتيجة للتشنجات الصرعية ، ولكن بعد سبع سنوات من وفاته قام شقيق زوجته باستخراج جمجمته ومنحها هي والقضيب الحديدي إلى دكتور هارلو ، وهي الآن موجودة في متحف وارن للتشريح .

وفي عام 1940م تم رسم جمجمة جيج حتى يحصل العلماء على نظرة أفضل لما حدث ، وفي عام 2012م استخدم مجموعة من علماء الأعصاب تقنية الرنين المغناطيسي وتصوير المادة البيضاء والتصوير المقطعي لاكتشاف ما حدث في رأس جيج ، وقد رجحوا أن الضرر الذي حدث في المادة البيضاء بالمخ أقل من المتوقع .

هل نعلم القصة كاملة :
عندما قامت جامعة كراون بدراسة القصص التي تم تجميعها عن جيج وجدوا الكثير من الحكايات المتضاربة ، ابتداءًا من حجم القضيب الحديدي ،وقد ذكرت بعض التقارير أن جيج بعد الحادث قد تحول إلى وحش ، وفي وثائق أخرى ذًكر أنه عمل في عدة وظائف بعد ذلك مثل تدريب الخيول ، وقال البعض أنه كان في حالة سُكر دائم ، ووصفه البعض بأنه مريض نفساني .

ونحن نعلم أن التاريخ دائمًا ما يصل إلينا مع بعض الإضافات غير الحقيقية ، ولكن ربما تكون الإضافات التي تمت على قصة جيج ، تسببت في توصلنا إلى أفكار خاطئة عن علم الدماغ ، فربما يكون التغير في شخصيته مجرد قصة خيالية ، وقد صرح الدكتور هارلو أن الأقوال عن التغير في شخصية جيج كانت متضاربة بشكل كبير .

لا تزال حالة جيج تشكل الأساس في إصابات الدماغ :
لم تكن حالة جيج حالفة فريدة فقد اخترقت خوذة إدوارد ليت الصلبة جمجمته في عام 2012م ، وقد تم إجراء جراحة له لإزالتها استغرقت خمس ساعات ، وقد صرح الأطباء أن هذا الحادث ليس له آثار طويلة الأمد على وظيفة الدماغ ، ولا أي من الوظائف الحيوية ، ولكن الأطباء في معهد نيورولوجيكال في نيويورك قد حذروا من أنه قد يصاب بتغييرات في الشخصية بعد فترة مستشهدين بحالة جيج .

ويقول المؤرخ مالكوم ماكميلان عن جيج أن عمله في مجال رعاية الخيول ربما ساهم في إعادة تأهيله ، حيث أنه كان يضطر إلى قيادة عربات الخيول في مناطق وعرة ، وإعداد جدول وأشياء أخرى تتطلب التركيز ، وربما هذا ساعده على استعادة معظم الوظائف الذهنية واستعادة شخصيته .

الوسوم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى