العالم جورج واشنطن كارفر

من الصعب أن نجد في التاريخ شخصيات كثيرة مثل جورج واشنطن كارفر ، فهو رجل رفض عرض للعمل براتب يزيد عن 100 ألف دولار سنويًا وذلك من أجل مواصلة أبحاثه التي كانت تهدف إلى مساعدة أبناء قريته ، وقد اكتشف هذا الكيميائي الزراعي من خلال أبحاثه 300 استخدام للفول السوداني ومئات الاستخدامات الأخرى لفول الصويا والبقان والبطاطا الحلوة.
وقد قدم عمله دعمًا كبيرًا للمزارعين الجنوبيين الذين استفادوا كثيرًا من وصفاته مثل المواد اللاصقة والشحوم ومواض التبييض والحليب والصلصة الحارة والحبر والقهوة السريعة وكريم الحلاقة وتلميع الأحذية وبودرة التلك وغيرها من الوصفات .
الحياة المبكرة والتعليم
ولد كارفر في عام 1864 فيمزرعة بالقرب من دياموند غروف بميزوري ، وقد ولد في حقبة زمنية صعبة حدثت فيها تغيرات كبيرة وهي فترة نهاية الحرب الأهلية الأمريكية ، وقد اختُطف الطفل كارفر ووالدته من قبل بعض المغيرين وربما أرسلوا إلى أركنساس ، وقد عثر موسى كارفر على الطفل جورج واشنطن كارفر بعد الحرب ولكن والدته اختفت إلى الأبد ، ولا تزال هوية والد كارفر غير معروفة ، رغم أنه يعتقد أن والده كان عبداً من مزرعة مجاورة .
قام موسى وزوجته بتربية كارفر وشقيقه كأطفالهما ، وفي مزرعة موسى تعلم كارفر حب الطبيعة واهتم كثيرًا بجمع الصخور والنباتات ، لذلك أطلق عليه لقب “طبيب النباتات” .
بدأ كارفر تعليمه الرسمي في سن الثانية عشر ، مما اضطره إلى ترك منزل موسى ، لأنه في ذلك الوقت كان هناك فصل عرقي داخل المدارس ولم تكن المدارس المخصصة للطلاب السود متوفرة بالقرب من منزل كارفر ، وانتقل إلى مقاطعة نيوتن في جنوب غرب ولاية ميسوري ، حيث كان يعمل كعامل في مزرعة ودرس في مدرسة من غرفة واحدة ، ثم ذهب إلى مدرسة مينيابوليس الثانوية في كانساس ، وكان التحاقه بإحدى الكليات أيضا صراعا كبيرًا بسبب الحواجز العرقية ، وفي سن الثلاثين حصل كارفر على قبول في كلية سيمبسون في إنديانولا بولاية أيوا ، حيث كان أول طالب أسود يلتحق بالكلية.
درس كارفر العزف على البيانو والفن لكن الكلية التي التحق بها لم تكن تقدم دروس العلوم ، ولكنه كان عازمًا على دراسة العلوم ، فانتقل إلى كلية أيوا الزراعية في عام 1891 ، حيث حصل على درجة البكالوريوس في العلوم في عام 1894 وحصل على درجة الماجستير في العلوم في علم النبات البكتيري والزراعة في عام 1897 ، وأصبح كارفر عضوًا في كلية ولاية أيوا للزراعة والميكانيكا وكان أول عضو في هيئة التدريس من السود في كلية أيوا ، حيث قام بتدريس دروس حول حفظ التربة والكيمياء.
معهد توسكيجي
في عام 1897 ، قام بوكر تي واشنطن ، مؤسس معهد توسكيجي الطبيعي والمهتم بشئون الزنوج ، بإقناع كارفر بالقدوم إلى الجنوب والعمل كمدير الزراعة في المعهد ، حيث بقي هناك حتى وفاته في عام 1943 ، وفي توسكجي ، طور كارفر طريقة الدوران المحصولي ، وهي الطريقة التي أحدثت ثورة زراعية في الجنوب ، وقد قام بتوعية المزارعين حول طرق التناوب بين محاصيل القطن المستنفدة للتربة والمحاصيل المخصبة للتربة مثل الفول السوداني والبازلاء وفول الصويا والبطاطا الحلوة والبقان.
كان اقتصاد أميركا في ذلك الوقت يعتمد بشكل كبير على الزراعة ، مما جعل إنجازات كارفر مهمة للغاية ، فعلى مدار عقود كانت زراعة القطن والتبغ فقط هي السائدة في المنطقة الجنوبية من الولايات المتحدة ، كما أن الاقتصاد الزراعي في الجنوب قد دمرته سنوات من الحرب الأهلية ، وأيضًا بسبب حقيقة أن مزارع القطن والتبغ لم تعد تستخدم عمال السخرة ، ولكن كارفر أقنع المزارعين الجنوبيين بإتباع اقتراحاته وساعد المنطقة على التعافي مرة أخرى.
كما عمل كارفر في تطوير تطبيقات صناعية من المحاصيل الزراعية خلال الحرب العالمية الأولى ، حيث وجد طريقة لاستبدال أصباغ النسيج التي كانت مستوردة من أوروبا ، وأنتج أصباغًا من 500 لون مختلف وكان مسئولًا عن اختراع عملية لإنتاج الدهانات والألوان من فول الصويا لهذا ، حصل على ثلاث براءات اختراع منفصلة.
الأوسمة والجوائز
امتدت شهرة كارفر على نطاق واسع بسبب إنجازاته ومساهماته الهامة في مجال تطوير الزراعة ، وقد منح درجة الدكتوراه الفخرية من كلية سيمبسون ، وعين عضوًا فخريا بالجمعية الملكية للفنون في لندن ، وحصل على ميدالية Spingarn من قبل الجمعية الوطنية لتقدم الملونين ، وفي عام 1939 حصل على ميدالية روزفلت لأنه أعاد الزراعة في الجنوب الأمريكي وتم تكريمه من خلال نصب تذكاري وطني مخصص لإنجازاته.
لم يقم كارفر بالاستفادة من معظم منتجاته حيث أعطى اكتشافاته للبشرية بدون مقابل ، و حوّل الجنوب من كونه أرض منتجة لمحصول القطن إلى مزارع متعددة المحاصيل ،كما أعطى المزارعين مئات الاستخدامات الجديدة لمحاصيلهم الجديدة ، وفي عام 1940 ، تبرع كارفر بمدخراته لتأسيس مؤسسة كارفر للأبحاث في توسكيجي لاستمرار الأبحاث في مجال الزراعة ، وكان يمكن لكارفر أن يضيف ثروة إلى الشهرة ، لكنه لم يهتم بأي منهما مطلقًا ، فقد وجد السعادة والشرف في كونه مفيدًا للعالم .