
تُعتبر جزيرة جوميرا واحدة من أصغر جزر الكناري الإسبانية التي تتميز بواحدة من أقدم لغات العالم وهي لغة الصفير .
من أعلى الجزيرة نستطيع أن نرى عدد قليل من المنازل القديمة ، بينما نجد إلى اليمين صف من الأشجار السوداء التي تذكرنا بالحرائق التي ضربت هذه الجزيرة الإسبانية ، من بين هذه الأشجار نستطيع أيضاً أن نسمع أصوات الصفير الخاصة والمُميزة لجزيرة جوميرا وهي طريقة تواصل قديمة أكد لي السكان المحليين أنها لا تزال قيد الاستخدام .
إن طريقة التواصل هذه التي يتم فيها استبدال اللغة الإسبانية بحرفين متحركين وأربعة حروف ساكنة ، نجدها مناسبة تمامًا لهذا المنظر الطبيعي من الوديان العميقة والأشجار الكبيرة ، كما نجد أن لديها القدرة على السفر لمسافة ميلين وأبعد بكثير وبجهد أقل من الصراخ بصوت عالي .
محتويات
الأصول القديمة لاستخدام هذه الطريقة
لا يوجد يقين حول أصول استخدام هذه اللغة ، من المعروف أنه عندما وصل المستوطنون الأوروبيون الأوائل إلى جزيرة جوميرا في القرن الخامس عشر ، كان سكان الجزيرة يتواصلون مع بعضهم البعض عن طريق صفارات ، هذه الصفارات كانت تعتبر اللغة الأصلية للجزيرة لكن مع وصول الإسبان قام السكان المحليين باستخدام اللغة الإسبانية بدل من الصفارات ، يذكر بعض السكان المحليين أن هذه اللغة استُخدمت على نطاق واسع في أربعينيات وخمسينيات القرن العشرين .
يقول لينو رودريجز وهو من هؤلاء الذين كانوا يستخدمون لغة الصفير ، عندما كانت النيران تشتعل في الجبل وهو أمر يحدث في الجزيرة بشكل متكرر ، كان الحرس المدني يأتي ليأخذنا من أجل إطفاء الحريق ، لذلك لتفاديهم ، مررنا رسالة بيننا بصوت الصفير معناها (عليك أن تختبئ إنهم قادمون) وبالتالي لم يفهموا ما كنا نقوله ولم يتمكنوا من إيجادنا .
يقول رودريجز أن الشيء المهم هنا هو أن تعلم الصافرة لم يكن أمرًا ممتعًا فقط بل كان واجبًا وضرورة ، إذا لم تكن تعرف كيف تفعل ذلك ، كان يجب عليك المشي لتوصيل الرسالة ، ويقول إن المنازل كانت بعيدة كل البعد عن بعضها البعض ولم تكن هناك طرق للتواصل أو هواتف لذلك كان التصفير أسهل من المشي .
بداية اختفاء لغة الصفير في جزيرة جوميرا
بدأ لغة الصافرة في الاختفاء في الخمسينيات عندما أجبرت الصعوبات الاقتصادية معظم السكان الأصليين على الهجرة إلى تينيريفي وفنزويلا ، ومع تطور شبكة الطرق المتنامية ثم اختراع الهاتف المحمول تقلص استخدام الصفير كوسيلة للتواصل .
بحلول السبعينيات والثمانينيات من القرن العشرين لم يعد هناك سوى عدد قليل من مستخدمي لغة الصفير ، ولكن في نهاية التسعينات بدء الاهتمام من جديد بها ، ويرجع ذلك جزئياً إلى جعلها مادة إلزامية في المدرسة الابتدائية .
إحياء لغة الصفير من جديد
يقول خوان كارلوس هيرنانديز وهو باحث من متحف جوميرا الأثري ، إن هذا حدث جيد على الرغم من أن الكثير من السكان اعتبروه شيء من التخلف ، ومع ذلك ، يجب أن أعترف أنه بعد التجول لساعات حول هذه الجزيرة التي تغيرت فيها المناظر الطبيعية والمناخ في كل زاوية ، لم أجد أي آثار لاستخدام الصفير وذلك لأن لغة الصفير الأن تُسمع في المدارس وفي المطاعم التي تقدم الصفير لجذب السياح ، بالنسبة لفيرناندو مينديز وزير السياحة في جزيرة جوميرا ، يُعتبر الصفير أمرًا حاسمًا لصناعة السياحة بالجزيرة .
يوافق عالم الآثار هيرنانديز ماريرو على أن الحفاظ على لغة الصفير أمر مهم جداً لأنه يحدد هوية جزيرة جوميرا لكنه يخشى أن تتحول إلى طريقة مبتذلة مثل قلادات الزهور التي تُعطى للسائحين في هاواي ، أعتقد أننا بحاجة إلى التحدث مع الأشخاص الذين لا يزالون على قيد الحياة ويعرفون الكثير عن هذه اللغة ، من الضروري أن نفكر بعمق في ما نريده منها ، نحن نعرف الكثير عنها من المنظور اللغوي ولكن القليل جدًا عن تاريخها .
بالنسبة إلى البعض تُعتبر لغة الصفير مصدر للدخل ، أما إلى البعض الآخر تعتبرأ سمة مميزة لهويتهم ، وبالنسبة إلى الأكاديميين في جامعة لا لاجونا ، يعتبرون أن هناك استخدامًا آخر لهذه اللغة ، إن الصفير مثير للاهتمام من وجهة نظر اللغة لأنه نظام بسيط للغاية ، يمكن أن يساعدنا في فهم كيفية تشكيل اللغات بشكل عام ، وهناك الأن مخاوف من أن تخفيض الإنفاق العام في إسبانيا سيؤثر على تعليم لغة الصفير في المدارس وهي واحدة من الأماكن القليلة التي يتعلم فيها الأطفال اليوم هذه اللغة .