أسباب قيام الثورة الروسية

كانت روسيا في بداية القرن العشرين إمبراطورية ضخمة تمتد من بولندا إلى المحيط الهاديء ، وفي عام 1914 كانت روسيا موطنًا لحوالي 165 مليون نسمة يشكلون مجموعات مختلفة من اللغات والثقافات والأديان ، ولذلك لم يكن حكم تلك الملكية الضخمة مهمة سهلة ، وخاصة أن المشاكل طويلة الأمد في البلاد أدت إلى تآكل شعبية آل رومانوف ، وأدى ذلك إلى قيام ثورة عام 1917 أزالت النظام القديم .
وفي حين أن الحرب العالمية الأولى كانت سبب مقبول على نطاق واسع لقيام الثورة ، إلا أنها لم تكن السبب المباشر لها ، لذلك سنتحدث عن بعض الأسباب التي أدت للثورة الروسية .
محتويات
فقر الفلاحين
كان ثلاثة أرباع سكان روسيا في عام 1916 من الفلاحين وكانوا يعيشون في مزارع ويزرعون في قرى صغيرة ، ومن الناحية النظرية فقد تحسنت حالة الفلاحين منذ عام 1861 حيث قبل ذلك التاريخ كان النظام في روسيا إقطاعي ،حيث يعمل الفلاحين بموجب هذا النظام في خدمة الأسياد الذين يملكون الأراضي ، ولكن منذ عام 1861 تم إنهاء النظام الإقطاعي وتم عمل ما يسمى بالحكم المجتمعي وتوزيع قطع صغيرة من الأراضي على الفلاحين ولكن كان عليهم أن يدفعوا مبلغًا للحكومة ، وكانت النتيجة وجود كتلة كبيرة من المزارع الصغيرة الغارقة في الديون ، وكانت حالة الزراعة في وسط روسيا سيئة جدًا ، حيث كانت تقنيات الزراعة المستخدمة قديمة جدًا ولم يكن هناك أمل كبير في إحراز أي تقدم بسبب انتشار الجهل ونقص رأس المال .
فعاشت العائلات في القرى بالكاد فوق مستوى الكفاف وهاجر نحو 50% من سكان القرى إلى المدن للعثور على فرص عمل ، وقد أدى ذلك لانخفاض عدد سكان وسط روسيا وأصبحت الأرض نادرة ، وكان كل ذلك يتناقض بدرجة كبيرة مع حالة ملاك الأراضي الأغنياء الذين كانوا يملكون 20% من الأراضي الموجودة في المدن الكبرى وغالبًا ما كانوا أعضاء في الطبقة العليا الروسية ، ولكن كانت حالة المزارعين بالقرب من الحدود الغربية والجنوبية للإمبراطورية الروسية الشاسعة مختلفة قليلًا حيث كان يوجد بها عدد أكبر من الفلاحين الميسورين بدرجة معقولة والمزارع التجارية الكبيرة .
وكانت النتيجة أنه بحلول عام 1917 كانت روسيا مليئة بالفلاحين الساخطين الغاضبين من محاولات السيطرة عليهم بواسطة أشخاص يستفيدوا من الأرض دون أن يعملوا بها ، وعلى الرغم من أن غالبية سكان روسيا كانت من الفلاحين القروين أو فلاحين سابقين يعيشون في المناطق الحضارية ، إلا أن الطبقة العليا والطبقة المتوسطة في روسيا لم تكن تعرف الكثير عن حياة الفلاحين الحقيقية
ولكنهم كانوا على دراية ببعض الشعارات الجوفاء مثل حياة الفلاحين الملائكية الطاهرة ، ولكن من الناحية الثقافية والاجتماعية فقد تم تنظيم الفلاحين في أكثر من نصف مليون مستوطنة قروية تتمتع بحكم مجتمعي ، وكانت تلك المجتمعات منفصلة تمامًا عن النخب والطبقة الوسطى ، وتكافح فيما بينها بشكل يائس للحصول على لقمة العيش وتغذيها نقاط الضعف البشري من التنافس والعنف والسرقة وكان يديرها عادة البطاركة الأكبر سنًا .
وداخل طبقة الفلاحين نفسها ظهرت فجوة بين من هم أكبر سنًا وبين طبقة الشباب المتعلمة المتزايدة والتي كانت تؤمن بالعنف ، وفي نفس الوقت هاجم رئيس الوزراء باور ستولييين نظام إصلاح الأراضي الذي سبق تنفيذه عام 1917 ومفهوم الفلاحين عن ملكية الأسرة .
وكانت طبقة الفلاحين في وسط روسيا تتزايد وفي نفس الوقت تتآكل الأراضي ولذلك كانت الأراضي متجهة نحو طبقة النخبة التي كانت تجبر الفلاحين المثقلين بالديون على بيع أراضيهم للاستخدام التجاري ، وقد ازداد نزوح الفلاحين إلى المدن بحثًا عن العمل أكثر من أي وقت مضى ، وفي المدن بدأ الفلاحون بالنظر إلى نمط حياة الفلاحين الذين تركوه ورائهم وينظرون نظرة مختلفة إلى المجتمع .
أصبحت المدن مكتظة وغير مخططة ، وكان الدخل بها جيد ولكنها كانت خطرة وغير منظمة ، وفيها بدأت تتشكل ثقافة حضارية جديدة تسخط على الرؤساء والنخب .
قوة عاملة كبيرة ومتنمرة في المناطق الحضرية
وصلت الثورة الصناعية إلى روسيا في تسعينيات القرن التاسع عشر من مصانع الحديد وغيرها ، ولم يكن التطور الصناعي داخل روسيا سريع مثل بريطانيا ، ولكن بالرغم من ذلك بدأت المدن الروسية في التوسع مع انتقال الفلاحين للعمل بالصناعة وبحلول القرن التاسع عشر أصبحت تلك المدن المزدحمة تعاني من مشاكل المساكن الفقيرة الضيقة والأجور غير العادلة ، وكانت الحكومة الروسية تخشى من هروب المستثمرين لذلك لم تتخذ أي إجراءات لصالح العمال ، وبدأت احتجاجات العمال وهذا خلق أرضية خصبة لانتشار الثوريين الاشتراكيين بين المدن .
من أجل محاولة مواجهة انتشار الأيديولوجية المناهضة للقيصرية ، شكلت الحكومة نقابات قانونية ولكن محايدة لتحل محل النقابات المحظورة ولكن القوية ، وتم نفي رؤساء النقابات السابقة إلى سيبيريا ، وفي عام 1905 وحتى عام 1917 لعب العمال الاشتركيون دروًا كبيرًا في إشعال الثورة برغم من وجود العديد من الفصائل المخلفة فيما بينها ، ولكنها كانت تعمل جميعًا تحت المظلة الاشتراكية .
القيصر السيء
كانت روسيا تحكم بواسطة نظام قيصري لمدة حوالي 300 عام ، وكانت القيصرية في أسرة رومانوف ، وفي فترة قيام الثورة كان القيصر نيكولاس الثاني يحكم روسيا ، ولكنه كان غير مهتم بالسياسة ولا يعرف شيء عن طبيعة روسيا وحتى والده لم يكن يثق به كوريث للحكم ،وعندما توفى ألكسندر الثالث في عام 1894 ورثه ابنه نيكولاس الثاني ، وبمجرد وصوله للحكم واجهاته الأزمات المتراكمة في روسيا مثل كوبونات الغذاء المجانية والشائعات حول انخفاض مخزون الغذاء والموت الجماعي .
وبالرغم من ذلك استمر القيصر في إقامة حفلات باهظة مما زاد سخط الشعب ، وعلاوة على ذلك كان نيكولاس أنانيًا ولا يرغب في مشاركة القوى السياسية معه في الحكم ، وحتى الرجال الذين حوله الذين كانوا يرغبون في تغيير مستقبل روسيا للأفضل وجدوا في القيصر رجل مزعج ، وقد افتقرت الحكومة الروسية إلى القدرة والفعالية بسبب عدم قيام القيصر بتفويض أو دعم المسئولين ، وكان لدى روسيا فراغ لا يستجيب لعالم ثوري متغير .
أما تسارينا زوجة القيصر التي تربت في بريطانيا وكانت تعتبر أقوى من القيصر لم تكن محبوبة من النخبة ، ولم تكن ترى هي وزوجها حاجة في أن يكونا محبوبين ، وكانت لديها القدرة على السيطرة على نيكولاس ، ولكنها عندما أنجبت أطفال مصابين بالهيموفيليا اتجهت للكنيسة والتصوف للبحث عن علاج وهنا برز دور راسبوتين ، وقد أدت العلاقة بين تسارينا وراسبوتين إلى تآكل دعم الجيش والطبقة الارستقراطية للقيصر .