سيرة حياة سيمون بوليفار

كان سيمون بوليفار أعظم قائد لحركة الاستقلال في أمريكا اللاتينية عن إسبانيا ، وكان جنرالًا عسكريًا وسياسيًا ذو شخصية جذابة ، وقد ساهم بشكل كبير في خروج الأسبان من شمال أمريكا الجنوبية كما ساهم في تكوين الجمهوريات الأولى هناك ، ولكنه فشل في تحقيق حلمه الكبير بتوحيد أمريكا الجنوبية .
محتويات
حياته المبكرة
ولد سيمون بوليفار في كراكاس (فنزويلا الحالية ) عام 1783م لعائلة ثرية للغاية تنتمي للكريول وهم اللاتينيون الذين ينحدرون من أصول إسبانية ، وفي ذلك الوقت كان عدد محدود من العائلات يمتلك جميع الأراضي في فنزويلا ، وكانت عائلة بوليفار من بين الأغنى في المستعمرة ، وقد توفى والديه وهو مازال صغيرًا حيث توفي والده قبل أن يراه أما والدته فقد توفت وهو في التاسعة من عمره .
وقد عاش بوليفار مع جده وأعمامه ، وعندما أصبح شابًا كان متعجرفًا وكان كثير الجدل مع مدرسيه بالرغم من أنه كان يدرس في أرقى المدارس بكاراكاس ، ثم سافر إلى أوروبا من عام 1804 وحتى عام 1807م وهناك قام بجولة مثل أي شاب ثري من الكريول .
الحياة الشخصية
كان بوليفار قائدًا طبيعيًا ورجل ذو طاقة للغاية ويحب المنافسة ، وكان غالبًا ما يتحدى ضباطه في سباقات الفروسية والسباحة وعادة ما يفوز ، وكان بإمكانه أن يظل طوال الليل يلعب الورق ويشرب مع رجاله الذين كانوا موالين له بشكل متعصب .
وقد تزوج مرة واحدة في وقت مبكر من حياته ثم توت زوجته بعد الزواج بوقت قصير ، ومنذ ذلك الوقت كان له علاقات مع عشرات النساء ، وكان يهتم بمظهره كثيرًا ويدعي البعض أنه كان يستخدم زجاجة كاملة من الكولونيا في يوم واحد .
استقلال فنزويلا
عندما عاد بوليفار إلى فنزويلا في عام 1807م وجد سكانها منقسمين فبعضهم رغب في الاستقلال عن إسبانيا وبعضهم كان يكن الولاء لإسبانيا ، وقد حاول الجنرال الفنزويلي فرانسيسكو دي ميراندا الاستقلال في عام 1806م وحاول غزو الساحل الشمالي الفنزويلي لكنه فشل .
لكن عندما غزا نابليون بونابرت إسبانيا عام 1808م وسجن الملك فرديناند الرابع شعر معظم الفنزويلين أنهم لم يعودوا مدينيين بالولاء لإسبانيا مما أعطى حركة الاستقلال زخمًا قويًا لا يمكن إنكاره .
الجمهورية الفنزويلية الأولى
وفي 19 أبريل عام 1810 أعلن شعب كاراكاس استقلاله المؤقت عن أسبانيا ، وهذا يعني أنهم مازالوا موالين للملك لكنهم سيحكمون فنزويلا بأنفسهم ، وكان الشاب سيمون بوليفار قائدًا هامًا في ذلك الوقت وكان يدعو للاستقلال التام ، وقد سافر إلى بريطانيا مع وفد صغير ليطلب دعم الحكومة البريطانية وهناك قابل القائد ميراندا ودعاه للعودة إلى فنزويلا للمشاركة في تأسيس حكومة للجمهورية الجديدة .
وعندما عاد بوليفار إلى كاراكاس وجد نزاع مدني بين الوطنيين والملكيين ، وقد انتهى هذا الصراع في في 5 يوليو 1811م عندما تم التصويت على الاستقلال عن إسبانيا بشكل كامل .
ولكن في 26 مارس 1812 ضرب زلزال عنيف معظم المدن المتمردة في فنزويلا ، وكان الكهنة الإسبان مازوالوا موجودين هناك فأقنعوا السكان أن هذا الزلزال غضب إلهي بسبب تمردهم ، وفي ذلك الوقت وصلت القوات الإسبانية بقيادة الكابتن دومينغو مونتيفيردي واستولت على الموانيء الهامة في فنزويلا .
فقام القائد ميراندا بطلب السلام من الأسبان فأثار ذلك الأمر غضب بوليفار واعتقل ميراندا وسلمه للأسبان ، ولكن الجمهورية الفنزولية الأولى سقطت واستعاد الأسبان فنزويلا .
وتم القبض على بوليفار وإرساله إلى المنفى ، ولكن في أواخر عام 1812م ذهب إلى نيو غرناطة (كولومبيا) للانضمام لحركة الاستقلال التي ظهرت هناك ، وقد أعطاه الثوار قيادة 200 رجل وأرسلوه لموقع بعيد ، وقد هاجم القوات الإسبانية في كولومبيا بشدة مما جعل جيشه ينمو وبحلول عام 1813م كان معه جيش كبير مستعد لغزو فنزويلا .
ولم يستطع الموالين للملك في فنزويلا محاربته وجهًا لوجه ، فأرسلوا قوات صغيرة في محاولة للإحاطة بجيش بوليفار ، ولكنه لم يتراجع واندفع بقوة نحو فنزويلا وفي 7أغسطس عام 1813م دخل فنزويلا منتصرًا على رأس جيشه ، في مسيرة مبهرة تعرف باسم “الحملة الرائعة” .
الجمهورية الفنزويلية الثانية
أنشأ بوليفار الجمهورية الفنزيلية الثانية وأطلق عليه الوطنيين اسم “المحرر” وجعلوه ديكتاتور الأمة الجديد ، إلا أن تلك الجمهورية لم تدم طويلا ، فقد هزم جيش بوليفار مرة أخرى على يد رجل إسباني قاسي يدعى توماس بوفيس ، والذي أجبر بوليفار عن التخلي عن فالنسيا أولًا ثم كاراكاس انتهت الجمهورية الثانبة وتم نفي بوليفار مرة أخرى .
كانت تلك السنوات صعبة في حياة بوليفار وأمريكا الجنوبية ، وفي عام 1815م صاغ بوليفار رسالة شهيرة حدد فيها كفاحه للحصول على الاستقلال وبمجرد نشر تلك الرسالة تم تعزيز سمعته كزعيم لحركة الاستقلال ولكنه عندما عاد إلى فنزويلا وجدها تعج بالفوضى
فقد كان أنصار الاستقلال يحاربون الموالين للملك على الأرض وشهدت المعارك بينهم فترات صعود وهبوط وذلك أدى لتدمير الريف ، كما حدث صراع بين قادة حركة الاستقلال أنفسهم ، ولذلك عندما عاد سيمون بوليفار قام في أكتوبر 1817م بإعدام الجنرال مانويل بيار من حركة الاستقلال ليضمن ولاء الجنرالات الآخرين .
وفي أوائل عام 1819 خاض الملكيون والوطنيون معارك شرسة مما ترك مدن فنزويلا في حالة خراب ، ووجد بوليفار نفسه عالق غرب فنزويلا بجوار جبال الأنديز وعلى بعد أقل من 300 ميل من العاصمة الكولومبية بوجوتا والتي لم تكن محصنة .
فكر بوليفار أنه لو استطاع الاستيلاء على بوجوتا فسوف يدمر جزء كبير من القوة الأسبانية في أمريكا الجنوبية ، ولكن كانت جبال الإنديز ذات القمم المغطاة بالثلوج ، بجانب المستنقعات والأنهار ذات الرياح الهائجة ، وبالرغم م ذلك قام بوليفار في مايو 1819م بعبور جبال الإنديز ومعه 2400 رجل وفي 6 يوليو وصلوا إلى قرية سوشان جراندا الجديدة ولكن جيشه كان في حالة يرثى لها ويقدر البعض عدد الذين لقوا حتفهم في هذا العبور بحوالي 2000 شخص .
ومع ذلك فإن بوليفار استطاع أن يجمع رجال من المتحمسين للحرية بسرعة وفي 7 أغسطس 1819م فاجأ بوليفار الجنرال الإسباني خوسيه ماريا باريرو على ضفاف نهر بوياكا وانتصر عليه ودخل مدينة بوغوتا دون معارضة .
ولم تكن سوى مسألة وقت حتى استطاع بوليفار أن يهزم القوات الإسبانية المتبقية واستولى على نيو غرناطة وفنزويلا وفي 24 يونيو 1821م سحق أخر قوة إسبانية في معركة كارابوبو وأعلن قيام جمهورية جديدة تضم الإكوادور ونيو غرناطة والإكوادور ، وبذلك تم تحرير شمال أمريكا الجنوبية من الأسبان .
وخلال حياته استمر بوليفار في القتال مع قادة آخرين من أمريكا الجنوبية حتى حصلوا على استقلال كل من بوليفيا وبيرو والإكوادور وكولومبيا وفنزويلا وبنما ، وكان حلمه توحيدهم جميعًا ، ولكن نشبت خلافات شديدة بينه وبين أنصاره من الزعماء الآخرين وأراد كل منهم الاستقلال بأراضيه مما أجبر بوليفار على الاستيلاء على السلطة وقبول الديكتاتورية للسيطرة على الجمهوريات الحديثة .
وفاة بوليفار
انقسمت الأمة بين مؤيدين ومعارضين لبوليفار وحتى أن البعض صنع دمى على هيئته وقاموا بإحراقها في الشوارع ، وظلت الحرب الأهلية تشكل تهديدًا كبيرًا للدول المستقلة ، وحاول أعداه اغتياله لولا تدخل حبيبته لإنقاذه .
وسقطت جمهورية كولومبيا في يد الملكيين مرة أخرى ، وتدهورت صحة بوليفار وفي أبريل 1830 وتحت وطأة الشعور بالمرارة وخيبة الأمل والمرض استقال بوليفار من منصبه وغادر إلى أوروبا ، وحتى عند مغادرته حدث قتال بين أنصاره وأعداؤه وبينما وصل ببطء إلى الساحل كان لا يزال يحلم بتوحيد أمريكا الجنوبية ، ولكنه استسلم لمرض أخيرًا وتوفي في 17 ديسمبر 1830 .