“جيل دي رايس” أول قاتل متسلسل في التاريخ

على الرغم من أن الحياة المهنية للنبيل البريتوني جيل دي رايس كانت تضمن له مكانًا في التاريخ ، إلا أنه اختار أن يدخل التاريخ كأول قاتل متسلسل عرفه العالم ، حيث قام بارتكاب أكثر من مائة جريمة قتل فظيعة للأطفال .
كانت الطفولة المبكرة لدي رايس تعتبر بمثابة مأساة حيث توفي والده وهو مازال طفلًا ، فوالده جي دي لافال قتل في حادث صيد فضيع أما أعين ابنه ، أما والدته ماري دي كراون فقد توفيت لسبب غير معروف ، وقد عاش مع جده لوالدته جان دي كراون ، ويبدو أن دي رايس كبر ليصبح شابًا متهورًا ، وقد ترجم تهوره ذلك في ساحات القتال ، حيث أصبح مقاتل بارع ، وعندما ظهر “جون أوف أرك” أو “جان دارك “في ساحة القتال عام 1429م قام دي رايس بمصاحبتها ليكونا رفيقين في معاركها الرئيسية ، منها معركة حصار أورليانز وهي أحد معارك حرب المائة عام ، ثم تم تعيينه في منصب مارشال فرنسا وكانت أعلى رتبة عسكرية فرنسية .
ثم بدأت حياته العسكرية في الهبوط بعد وفاة جان دارك في عام 1431م ، وقد قضى بعدها معظم الوقت في ملكيته الخاصة حيث أنه كان من أغنى الشخصيات في غرب فرنسا ، ولكنه أخذ ينفق في ثروته بلا طائل فقد كان يدفع مبالغ باهظة للزينة والخدم والموسيقى والأعمال الأدبية ، وقد آثار هذا استياء بعض أفراد أسرته وخاصة جده حيث أنه بدأ يبيع في ممتلكات العائلة .
وفي السنوات اللاحقة أبدى دي رايس اهتمامًا زائدًا بالدين وراودته أفكار عن الخلاص ، وقد مول بناء كنيسة لتطهير روحه في عام 1433م ، وكان يصلي فيها من أجل الأبرياء ، وقام بتعيين جوقه من الأولاد اختارهم بنفسه ، كما استخدم أساليب السحر ووظف مجموعة من الكيميائيين والسحرة في محاولة لإنقاذ ثروته التي أخذت تتناقص بسرعة .
وفي الوقت نفسه بدأت الشائعات تحوم حوله ، فقد فُقد العديد من الأطفال في المناطق المحيطة بقلاع دي رايس ، وقد شك الناس أن حالات الاختفاء مرتبطة بدي رايس وخدمه ، ولأنه كان من الشائع في تلك الفترة أن ينفصل الأطفال عن آبائهم إذا أخذهم النبلاء كخدم لهم ، فإن كثير من آباء ضحاياه كانوا غير مدركين لمصير أطفالهم .
وعلى الرغم من ظهور دلائل على جرائمه إلا أن مكانته النبيلة ووضعه الإجتماعي جعلت الناس تخاف من اتخاذ إي إجراءات ضده ، فعلى سبيل المثال شهد بعض الناس أنهم رأوا خدم دي رايس يتخلصون من عشرات الجثث في إحدى قلاعه .
تم إلقاء القبض على دي رايس عام 1440م بعد أن قام باختطاف قسيس على أثر خلاف نشب بينهما لا علاقة له بجرائم القتل ، وتمت محاكمته لاحقًا وإدانته بعدة جرائم منها الهرطقة والشذوذ وقتل أكثر من 100 طفل .
وبعد القبض على دي رايس وتهديده بالتعذيب اعترف بالتهم الموجهة إليه ، ووصف طقوس تعذيبه لأكثر من 100 طفل من الأطفال الذين اختطفهم عبيده على مدى عقد من الزمان ، وقد حكم عليه بالحرق والشنق المتزامنين ، وتم تنفيذ الحكم في 26 أكتوبر 1440م ، وقد كان هادئ ورابط الجأش وقت إعدامه .
ولكن من الأمور الغريبة أن بعض الناس أشاد بدي رايس بعد وفاته كنموذج للمسيحي التائب ، وحتى أن الناس كانوا يقيمون طقوس غريبة لإحياء ذكرى وفاته ، ويقومون فيها بجلد أبنائهم ، ويُعتقد أن هذه الطقوس استمرت لمدة قرن بعد وفاته .
وفي العصر الحديث يتساءل المؤرخون عما إذا كان دي رايس مذنبًا حقًا ، أم أنه اعترف بالقتل تحت التعذيب.