سيرة حياة “كوكو شانيل”رائدة الموضة في القرن العشرين

“الموضة ليست شيئًا موجود في الفساتين فقط ، ولكنها موجودة أيضًا في الشارع وفي السماء ، كما أن الأناقة يجب أن تنتقل إلى الأفكار وإلى الطريقة التي نحيا بها ” ، كانت هذه أحد أقوال كوكو شانيل مصممة الأزياء الفرنسية والتي أحدثت ثورة في عالم تصميم الملابس بابتكارها أنماط من الملابس تجمع بين البساطة والأناقة معًا ، وقد كانت شانيل مصممة الأزياء الوحيدة التي تم إدراجها ضمن قائمة أكثر 100 شخصية مؤثرة في القرن العشرين .
فقد ساهمت كوكو شانيل خلال فترة العشرينيات من القرن العشرين في إحداث علامة مميزة في الموضة والتصميم النسائي ، حيث أنه قبل تلك الفترة وخلال فترة الحرب العالمية الأولى كانت ملابس النساء مقيدة إلى حد كبير حيث كانت تتكون من تنانير طويلة لا تتناسب مع طبيعة الأعمال أو الأنشطة التي كانت تقوم بها المرأة في ذلك الوقت ، وقد ساعدت كوكو شانيل في ابتكار ملابس نسائية أبسط وأكثر عملية ، كما كانت أول من قام بصنع السراويل والبدلات النسائية ، كما أنها ابتكرت أيضًا عطر شانيل الشهير NO.5 الذي أصبح أحد العلامات التجارية الشهيرة .
وتشير بعض المصادر إلى أن كوكو أو غابريال شانيل قد ولدت في عام 1883م ، وقد عانت من الفقر الشديد في طفولتها حيث أنها كانت ابنة لأم غير متزوجة ، وقد توفيت والدتها وهي مازالت في سن الثانية عشر وتم إرسالها مع أختيها إلى دير يقع في مدية كوريز ، وقد كانت الحياة في المؤسسة الدينية صارمة جدًا ، ولكنها تعلمت الخياطة هناك ، واكتسبت معرفة أولية بطريقة صناعة الملابس .
وقد غادرت الدير وهي في سن 18 وانتقلت إلى مولان وهناك عملت كخياطة ، وأيضًا عملت كمغنية في أحد النوادي الليلية ، ولكن غنائها لم يكن جيد بما يكفي حتى تستمر في هذه المهنة ، وفي عام 1908م بدأت شانيل علاقة غرامية مع شخص غني من الطبقة الأرستقراطية يدعى إتيان بالسان ، وقد مكنها ذلك من التعرف على العديد من الأرستقراطيين الأثرياء ودخول دوائرهم الاجتماعية .
ثم افتتحت أول بوتيك لها لبيع الملابس العصرية في دوفيل عام 1913م بمساعدة مالية من عشيق لها يدعى آرثر كابيل ، وقد استخدمت نسيج جيرسي في تصميم الملابس بطريقة مبتكرة – حيث كان هناك نقص في الأقمشة خلال فترة الحرب العالمية الأولى .
وسرعان ما اكتسبت شهرة واسعة في عالم الموضة ، وقد شجعها ذلك على افتتاح متجر أخر في بياريتز ، والذي اشتهر كمتجر للأثرياء ، ثم افتتحت أول متجر لها في قلب المنطقة الأكثر أناقة بباريس عام 1919م ، وبعد انتهاء الحرب شعرت شانيل بأهمية إحداث ثورة في ملابس النساء ، فبدأت في تحرير المرأة من مشد البطن وشجعتهن على ارتداء ملابس غير رسمية ولكنها أنيقة .
وقد حدثت نقلة نوعية في حياة المرأة في عشرينيات القرن الماضي حيث خرجت النساء للعمل كما تم التصويت لهن في عدة انتخابات محلية ، ولذلك حرصت شانيل على أن تواكب أزيائها هذه التطورات ، ثم قررت شانيل التقاعد عن تجارة الأزياء عام 1938م ، ولكنها عادت مجددًا بعد مرور 16 عامًا لأنها وجدت أن الرجال يسيطرون على صناعة الأزياء الفرنسية .
وعلى الرغم من أن النقاد لم يستقبلوا مجموعة أزياء شانيل الأولى بعد العودة بحفاوة ، إلا أنها لاقت رواجًا هائلًا بين عامة الناس ، ومرة أخرى تبنت سيدات الطبقة الغنية تصميمات شانيل ، وقد أظهر ذلك تأثير شانيل القوي في عالم الأزياء ، وقد كانت دائمًا ما تتباهى بذلك وبأنها تعرف ما يريده الناس .
وقد كانت شانيل مبتدعة في كثير من الجوانب حيث قامت بصنع مجموعة من المجوهرات التي تحاكي المجوهرات الثمينة لكنها في الحقيقة رخيصة الثمن ، وقد مكن ذلك الأثرياء من الاحتفاظ بحليهم الثمين في منازلهم ، كما طورت حقيبة شانيل الشهيرة ذات الحزام الرفيع والتي تجمع بين الجمال والعملية في عام 1929م ، ثم قامت بتحديث التصميم في عام 1948م .
ولكن شانيل أغلقت متاجرها عام 1939م في بداية الحرب العالمية الثانية عام 1939م مشيرة إلى أن الحرب ليست الوقت المناسب للموضة ، وقامت بتسريح 3000 عامل من موظفيها ، وقد اعتبر البعض أن شانيل تنتقم من العمال بسبب احتجاجهم السابق ومطالبتهم بزيادة الأجور .
خلال فترة الاحتلال الألماني لباريس ، قامت شانيل بعمل علاقة رومانسية مع ضابط ألماني يدعى هانز جونتر فون دينكلاج ، وقد ساعدها ذلك في الحصول على شقة فاخرة في فندق ريتز طوال فترة الحرب ، هذا بجانب معتقداتها السياسية التي أعربت فيها عن معاداة السامية والتعاطف مع مختلف جوانب القضية الألمانية .
وقد حظي دور شانيل في زمن الحرب بغموض كبير ، ولكن كاتبة السيرة الذاتية هال فاوغان قد اكتشفت وثائق سرية تشير إلى أن شانيل عملت مع الجنرال فالتر شلينبيرج ، رئيس الاستخبارات السرية والذي أدين فيما بعد بجرائم حرب وحكم عليه بالسجن لمدة ست سنوات ، و عند إطلاق سراحه دفعت شانيل تكاليف علاجه الطبي ، كما كشفت وثائق أخرى عن أن شانيل كان من المقرر أن تستخدم كوسيط لعمل اتفاق سلام بين تشرشل والقوات الألمانية ولكن الخطة لم تنجح .
بعد انتهاء الحرب تم استجواب شانيل من قبل لجنة التطهير الفرنسية ، ثم تم الإفراج عنها وتشير بعض المصادر إلى أن تشرشل قد تدخل للإفراج عنها بسبب خوفه من فضح اتصالاته السرية مع النازيين ، وقد انتقلت بعد ذلك إلى سويسرا وعاشت هناك حتى عام 1954م .
وقد ظهر بعد الحرب عدة مصممين جدد منهم كريستيان ديور وقد تفوقت علاماتهم التجارية على علامة شانيل ، ومع ذلك أعادة شانيل فتح بيت أزيائها ولكنه لم يلقى نجاح كبير في فرنسا ، ولكنه نجح في بريطانيا وأمريكا بدرجة أكبر .
لم تتزوج شانيل طوال حياتها أو تنجب ولكنها أقامت علاقات مع عدد من الرجال المؤثرين ، ويقول العديد من كتاب السيرة الذاتية إن حياة كوكو شانيل تبقى لغزا حيث كانت مليئة بالتناقضات ويصعب التحقق من دوافعها الحقيقية ، وقد توفيت في 10 يناير 1971م عن عمر يناهز 87 عامًا في فندق ريتز حيث كانت تقيم لأكثر من 30 عامًا .